حكم الانتساب لغير القبيلة مع بيان معانيها ودلالاتها الشرعية

ذكر بعض الأحاديث في بيان حكم الانتساب إلى غير الأب ، أو القبيلة ، مع بيان معانيها ودلالاتها :
أولا : فإن مما جاءت به شريعة الإسلام الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان بيان حكم : الطعن بالأنساب ، والفخر بالاحساب ، وادعاء نسب قوم ليس له فيهم نسب ، والانتساب لغير الأب ، والتبرؤ من نسب وإن دق ، وأن ذلك كله مما حرمه الله ، وحذر منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث كثيرة منها :
1- ما أخرجه مسلم في صحيحه (2/644) من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حدثه فقال : ” أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب …” الحديث .
قال الشيخ سليمان آل الشيخ – رحمه الله – : ” قوله : ” والطعن في الانساب ” أي : الوقوع فيها بالذم والعيب ، أو بقدح في نسب أحد من الناس ، فيقول : ليس هو من ذرية فلان ، أو يعيره بما في آبائه من المطاعن ، ولهذا لما عير أبو ذر رضي الله عنه رجلا بأمه ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي ذر : اعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ” متفق عليه ، فدل ذلك أن التعيير بالأنساب من أخلاق الجاهلية ، وأن الرجل مع فضله ، وعلمه ودينه قد يكون فيه بعض هذه الخصال المسماة بجاهلية ويهودية ونصرانية ، ولا يوجب ذلك كفره وفسقه قاله شيخ الاسلام “(1) .
2- وأخرج أيضا (1/82) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت ” .
قال الشيخ عبد الرحمن بن القاسم – رحمه الله – : ” أي عيبه ، ويدخل فيه أن يقال : ليس هذا ابن فلان مع ثبوت نسبه ، أو ليس بنو فلان من بني فلان مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص390 .
انتسابهم إليهم ، وهذا مع عدم وجود دلائل ظاهرة ، أو حكم شرعي بنفيه ، فلا
يجوز الطعن بمستور النسب ومجهوله ، فإن الناس مأمونون على أنسابهم . “(1)
3- وأخرج البخاري في صحيحه (باب المناقب – 4/191ط قطر ) عَنْ أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم –  يَقُولُ :
” لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ ، وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ [نَسَبٌ ](2) فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ” .
قال الوزير ابن هبيرة – رحمه الله – : ” في هذا الحديث من الفقه تحريم الانتساب إلى غير الوالد ، وإن علا ؛ لقول الله عز وجل : {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق}.
وفيه أيضًا أنه يشتد السخط على من انتمى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه ، وهذا مما يدل على أنه يراد به الأب الأعلى ، فلو قد انتمى منتمٍ إلى أب من الناس ، وهو لا يعلم الحقيقة في ضد ذلك لم يكن داخلا في هذا الوعيد إن شاء الله ، وذلك لأن ارتكاب الفاحشة إذا كان منها ما تعر له الأعراض وتنكس له الرؤوس وتخجل فيه الوجوه فإنما ذلك كله من أجل أن نتيجته أن يكون شخص لغير أبيه ، فإذا سعى إنسان في أن ينتمي إلى غير أبيه راضيًا بأحوال أولاد الزنا فقد رضي من الدناءة وسقوط المنزلة بما ينافي أخلاق أهل الجنة.”(3) .
وقال الحافظ ابن دقيق العيد – رحمه الله – : ” يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف ، والاعتزاء إلى نسب غيره ، ولا شك أن ذلك كبيرة ، لما يتعلق به من المفاسد العظيمة . وقد نبهنا على بعضها فيما مضى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حاشية كتاب التوحيد ص260 .
2) في رواية الكشمهيني .
3) الإفصاح عن معاني الصحاح (1/337) ، (2/170) .
وشرط الرسول – صلى الله عليه وسلم – العلم ؛ لأن الأنساب قد تتراخى فيها مدد الآباء والأجداد ، ويتعذر العلم بحقيقتها : وقد يقع اختلال في النسب في الباطن من جهة النساء ، ولا يشعر به ، فشرط العلم لذلك …”(1) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : ” وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والإدعاء إلى غيره ، وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين اثباتا ونفيا لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له “(2) .
وقال الشيخ البسام –رحمه الله – : ” في هذا الحديث وعيد شديد وإنذار أكيد ، لمن ارتكب عملا من هذه الثلاثة ، فما بالك بمن عملها كلها ؟.
أولها : أن يكون عالما أباه ، مثبتا نسبه فينكره ويتجاهله ، مدعيا النسب إلى غير أبيه ، أو إلى غير قبيلته .
وثانيها : أن يدعي “وهو عالم” ما ليس له من نسب …
ما يستفاد من الحديث :
1- فيه دليل على تحريم الانتفاء من نسبه المعروف ، والانتساب إلى غيره . سواء أكان ذلك من أبيه القريب ، أم من أجداده ، ليخرج من قبيلته إلى قبيلة أخرى . لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة ، من ضياع الأنساب ، واختلاط المحارم بغيرهم ، وتقطع الأرحام ، وغير ذلك.
2- اشترط العلم ، لأن تباعد القرون ، وتسلسل الأجداد ، قد يوقع في الخلل والجهل ، والله لا يكلف نفساً إلا وُسْعَهَا ، ولا يؤاخذ بالنسيان والخطأ. “(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام [ مع حاشيته العدة (4/280) ] .
2) فتح الباري [ ط السلفية (6/625) .
2) تيسير العلام (3/102) .
4- وأخرج الإمام أحمد في مسنده ( 11/592) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ أَوْ ادِّعَاءٌ إِلَى نَسَبٍ لَا يُعْرَفُ “(1) .
قال العلامة الخطابي – رحمه الله – : ” وهذا لا يوجب أن يكون من فعل ذلك كافرا به خارجا عن الملة، وإنما فيه مذمة هذا الفعل وتشبيهه بالكفر، على وجه التغليظ لفاعله، ليجتنبه فلا يستحله “(2) .
قال الشيخ أحمد الساعاتي – رحمه الله – : ” والمعنى التبرؤ من النسب وان دق كفر باللة (3) (ومعنى وان دق) أى وإن كان النسب الذى تبرأ منة حقيرا فلا يجوز التبرؤ منة ومثلة من ادعى نسبا لا يعرف اى لا يتصل به وان كان عظيما “(3) .
أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق : بعد عرض هذه الأحاديث ، وبيان معناها من كلام علماء السنة يتبين لكل منصف عاقل حرمة الانتساب إلى غير الأب ، وأن من وقع منه ذلك وجب عليه تصحيح وضعه ؛ لما يترتب على ذلك من أحكام دنيوية ، وأخروية .
وكذلك تبين حرمة انتساب الإنسان إلى غير قبيلته ، وأن ذلك من كبائر الذنوب ، إذ لا حلف ، ولا ولاء ، فمثلا من كان من أبناء الأشراف العونة العبادلة ، فلا يحل ، ولا يجوز له أن ينتسب إلى غير قبيلة الأشراف العونة العبادلة ؛ لأن انتسابه إلى غيرهم مع العلم بالتحريم محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ، وهو من الانتساب إلى غير الأب بدلالة هذه النصوص ، وما سيأتي من بيانها في فتاوى علماء السنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حسنه العلامة الألباني – رحمه الله –  في صحيح الجامع برقم : 4485 .
2) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري (1/179) .
3) المراد بالكفر هنا الكفر الأصغر كما هو معروف في مثل هذه الأحاديث .
4) بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (17/41) .
ثانيا : فتاوى منثورة لكبار علماء السنة في بيان حرمة الانتساب إلى غير الأب ، أو إلى غير القبيلة ، وأن ذلك من كبائر الذنوب:
الفتوى الأولى : ” س 1275: فضيلة الشيخ : هناك قضية تحدث الآن كثيراً وخصوصاً بين دول الخليج خاصة ، وهي أن يكون أحد أفراد هذه البلاد ثم يذهب فيتحصل على جنسية أخرى من إحدى دول الخليج ولكن ليست باسمه ولا باسم أبيه، وإنما بإضافته إلى عمه كأحد أولاده أو إلى أخيه أو إلى خاله أو إلى أحد أقاربه، فيحصل بذلك على تلك الجنسية وكل ما يترتب عليها من رواتب وغير ذلك من مصالح ، مع أنه هنا لديه جنسية ولديه أوراقه ، وليس عنده أي مشكلة إلا أنه يفعل ذلك للحصول على بعض المصالح المادية ، ولا يخفى على فضيلتكم خطورة الإدعاء لغير الوالد وما ورد في ذلك من النهي الخطير، فما حكم هذا العمل؟
الجواب : [ قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله- ] :
 هذا العمل محرم ، ولا يحل للإنسان أن ينتسب إلى غير أبيه ؛ لأنه يترتب عليه الكذب ، ويترتب عليه الميراث ، ويترتب عليه المحرمية ، ويترتب عليه كل ما يترتب على النسب ، ولهذا جاءت النصوص بالوعيد على من انتسب لغير أبيه ، وهذا العمل أيضاً من كبائر الذنوب بل يجمع بين كبيرتين : وهما الكذب لأكل المال بالباطل ، والانتساب إلى غير أبيه .
والواجب على الإنسان أن يعود إلى الحق في هذه المسألة ، وأن يمزق التابعية التي ليست حقيقية ، هذا الواجب عليه ، وإني لأعجب أن يقدم الإنسان على هذا العمل المحرم من أجل طمع الدنيا ، وقد قال الله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً } [الإسراء:18] فأرجو منك أن تبلغ هذا الأخ أنه يجب عليه أن يمزق هذه التابعية التي ليست حقيقية ، وعفا الله عما سلف ، وما أخذه بهذه التابعية من الدراهم فإن الله تعالى يقول: { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } [البقرة:275] يقول هذا في آكل الربا ، وما دونه من باب أولى . “(1) .
الفتوى الثانية : ” س: أنا رجل أبلغ من العمر الآن سبعين عاما، تسميت باسم خالي بسبب سكني في بيته منذ حداثة سني، كعادة أهل البلد، حيث إن خالي كان عقيما، علما بأني لم أرث منه شيئا، وقد أثبت هدا الاسم بالأوراق الرسمية، فأصبح منذ ذلك الحين هو: (م. ر. س. م)، واشتهرت به عند الناس، وتسمى به أولادي وأحفادي، والذي يقارب عددهم الآن خمسين فردا، علما بأن اسمي الحقيقي هو: (م. ع. م. م)، وبلغني مؤخرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم بحرمة من ادعى لغير أبيه، فأخشى أن يلحقني إثم ذلك، والسؤال: 1- هل ينطبق الحديث على حالتي؟ 2- هل يلحقني إثم إن لم أستطع فعل ذلك بسبب صعوبة الإجراءات في المحاكم عندنا؟ 3- هل يجوز عند تعديل الاسم أن أضيف (آل ربيعة) على الاسم الحقيقي، نسبة إلى البيت الذي ترعرعت فيه ولاشتهاري به؟
ج: يجب عليك تغيير اسمك إلى النسب الصحيح ؛ لما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ”  …وما جاء عن سعد وأبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام ” …ومنها ما جاء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ”  …
وهذه الأحاديث وإن اختلفت ألفاظها كلها ترجع إلى تهديد من انتسب إلى أب
غير أبيه، بحرمانه من الجنة، واستحقاقه عذاب النار، لتغييره نسبه وخلطه في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لقاءات الباب المفتوح (3/186) .
الأنساب، وهذا يترتب عليه فساد كثير، يترتب عليه حرمان وارث، وتوريث من ليس بوارث، وتحريم أبضاع مباحة، وإباحة أبضاع محرمة، والطعن في نسبه وازدراء أصوله التي تولد منها، وعقوق لها.. إلى غير هذا من الفساد والآثار السيئة، ومن أجل ذلك استوجب لعنة الله المتتابعة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق..”(1)
الفتوى الثالثة : ” س 2: ما حكم من غير اسم أبيه جهلا لمصلحة دنيوية ؟
ج2: تغيير الإنسان اسم أبيه لمصلحة دنيوية لا يجوز ؛ لأن ما ظنه مصلحة إما أن يكون لكسب وجاهة بمن انتسب إليه وترفعا عن الانتساب لأبيه ، وذلك كبيرة من الكبائر ؛ لما فيه من الكذب والزور واحتقار أبيه وازدرائه بالإعراض عن الانتساب إليه ، وإما أن يكون كسب مال من إرث أو حكومة أو غير ذلك ، وهو كبيرة من الكبائر أيضا ؛ لما فيه من الكذب والخداع والتغرير بالنسب ، وأكل الأموال بالباطل . ثم فيه تغيير الأنساب ، أو يفضي إلى تغيير الأنساب والتلبيس فيها ، ويترتب تحريم ما أحل الله وإحلال ما حرم الله من النكاح والأموال وغيرها ، وذلك فيه فساد كبير ، وقد ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ”  وثبت عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ” وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لا ترغبوا عن آبائكم ، فمن رغب عن أبيه فهو كفر ” رواه البخاري ومسلم فتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه وشدد في ذلك حتى حكم عليه بالكفر ، وحرم عليه الجنة ، فعلى من حصل منه ذلك أن يقلع عنه ، ويتوب منه إلى الله ، ويستغفره مما فرط منه . ” (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، الفتوى رقم ( 17679 ) (20/364) .
2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم( 1710 ) (20/372).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع كتاب البراهين العادلة في نسب العونة العبادلة.